ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.. إهمال حكومي أم شرٌّ لابدّ منه ! (آراء خبراء الاقتصاد)


وصف رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلك، زكي حاريز، واقع التجارة في الجزائر، بـ “السوق المجنون”، خاصة هذه الأيام وهي تشهد فوضى مختلفة الأشكال، سواء في الأسعار وهامش الربح أو حتى طرق البيع مع انتشار غير معقول للتجار المتنقلين.
وقال حاريز لـجريدة الخبر، إن “المواطن أصبح عاجزا عن اقتناء المواد الغذائية الأساسية، ففوضى السوق جعلت كل المؤشرات الاقتصادية في الخانة الحمراء ” .
وأضاف المتحدث لنفس المصدر، “الأمور معقدة جدا، بداية من قيمة الدينار المنخفضة، وصولا إلى رسم القيمة المضافة على السلع الذي يصل إلى 19 بالمائة، وهي قيمة يدفعها المستهلك”.
وحسب آخر مؤشرات صندوق النقد العربي، فإن الاقتصاد الجزائري يعتمد بنسبة 37.4 على الضريبة على القيمة المضافة، حيث تشكل تلك القيمة جزءا هاما من ميزانية الدولة، وهذه المؤشرات خلقت مناخا غير صحي للتجارة وفتحت الأبواب أمام المضاربين للسيطرة واحتكار الأسواق في مختلف المجالات، خاصة المواد الغذائية الأساسية.
ووفقا لجريدة الخبر، يؤكد رئيس الفيدرالية على ضرورة إعادة تنظيم الأسواق ومحاربة التجارة الموازية التي تطغى اليوم على المعاملات التجارية، كما انتقد حاريز قرار وزارة التجارة الأخير الذي تحدث عن السماح للفلاحين بالبيع المباشر للسلع، وقال: “مثل هذه القرارات تكرس مزيدا من الفوضى، ومشكلة الأسواق الأساسية هي انتشار الفوضى التي خلقت الوساطة ولا يمكن بأي حال من الأحوال القضاء على المضاربة بمثل تلك القرارات العشوائية”.
سبب ارتفاع الأسعار هو “المضاربة” المتحكمة في الاقتصاد الوطني
أرجع خبراء الاقتصاد انتعاش تجارة المضاربين في الأسواق إلى توقف العديد من المستثمرين عن المشاركة في أي صفقات مع انهيار الأسواق المالية في أعقاب جائحة كورونا كوفيد 19.
وصرّح البروفيسور محمد حميدوش، للخبر، أن الاقتصاد الجزائري يعيش اليوم تحت رحمة المضاربين، ويؤكد أن انتشار شاحنات بيع المواد الغذائية بشكل عشوائي وفوضوي في الأحياء،هو اليوم أحد أبرز أشكال المضاربة التي تكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة.
وقال حميدوش لـ”الخبر”: لما تكون هناك مضاربة، فهذا يعني أنه لا يوجد أي تنظيم حقيقي، وهو ما يعكس غياب السلطة، رغم أنها تقوم بإصدار العديد من القوانين التي تبقى حبرا على ورق. وأوضح الباحث الاقتصادي أن الجزائر بحاجة ملحة اليوم إلى استحداث نظام معلوماتي لمراقبة الأسواق، وهذا الأمر يحتاج على الأقل عشر سنوات كاملة حتى تستقر الأسعار والأسواق، وتدخل دورة حياة المنتج وفق قاعدة العرض والطلب. وأشار حميدوش إلى أن نسبة الزيادة في الأسعار تتجاوز أحيانا 500 بالمائة، مقارنة بين سعر المنتج عند الفلاح، وصولا إلى المستهلك، هذا الأخير يعد الأضعف في حلقة الأسعار.
و أكّد المدير العام للأنشطة التجارية وتنظيمها، سامي قلي، ذات المصدر، أن وزارة التجارة قامت بإعداد أرضية رقمية لكل الوحدات الإنتاجية، إضافة إلى ربط مع خارطة كل الأماكن لتخزين المواد الأساسية، ويوجد بنك معلومات للمواد الأولية، خاصة الخضر والفواكه والقمح. كما يتم متابعة مستوى الإنتاج والمخزون، وهي أرقام لا يتم الكشف عنها للرأي العام نظرا لارتباط الأمر بالأمن الغذائي وسرية المعلومات.
انهيار الدينار، محدودية الانتاج، وتقليص الوردات.. عوامل أخرى
من جهته، أرجع الخبير الاقتصادي، فرحات آيت علي، ارتفاع الأسعار في الأسواق الجزائرية وانخفاض القدرة الشرائية إلى عوامل تتعلق بتقليص الواردات ومحدودية الانتاج المحلي.
حيث كتب آيت علي في منشور له على صفحته في فايسبوك، أن “سعر السلع المستوردة بالعملة الوطنية، يخضع لسعر صرف الدينار مقارنة بالعملات الاجنبية المستعملة في عمليات الإستيراد. وعندما ينتقل سعر صرف الدينار من 82 دينار الى 140 دينار للدولار بفرق 58 دينار زيادة في سعر الدولار المحوّل، ما يعني نسبة 70% من سعره الاصلي، فعليه ان يطبق تلك النسبة على كل المقتنيات المستوردة من الخارج ليجد سعرها الحالي المعقول.”
وأوضح ايت علي أنه كلما تناقص المخزون بفعل الواردات و محدودية الانتاج المحلي من احتياجاته الاستهلاكية، كلما انكمش سعر العملة المحلية، و كلما انكمشت معه القدرة الشرائية لتلك العملة و مستخدميها داخليا. مضيفا، “القدرة الشرائية لم تكن و لن تكون مرتبطة في اي بلد في العالم باحتياجات و طلبات المستهلكين، بل بمردوديتهم الانتاجية. “
وكتب الخبير الاقتصادي، “ لقد تقلصت الواردات في 2020 و2021 بمعدل عشرة ملايير دولار سنويا من السلع، و كان ذلك بمثابة قفزة نوعية في ترشيد النفقات الوطنية بالعملة الصعبة و حماية ما تبقى من احتياطي الصرف الذي عرف نزيفا بـ 150 مليار دولار في اواخر حكم العصابات و في مدة 5 سنوات بمعدل 25 مليار سنويا. و ذلك التقليص في الواردات يعتبر طوق نجاة للعملة الوطنية في المدى المتوسط و البعيد.”
حيث أن سعر السلع المستوردة بالعملة الوطنية – يضيف فرحات ايت علي- يخضع لسعر صرف الدينار مقارنة بالعملات الاجنبية المستعملة في عمليات الإستيراد. وعندما ينتقل سعر صرف الدينار من 82 دينار الى 140 دينار للدولار بفرق 58 دينار زيادة في سعر الدولار المحول، ما يعني نسبة 70% من سعره الاصلي، فعليه ان يطبق تلك النسبة على كل المقتنيات المستوردة من الخارج ليجد سعرها الحالي المعقول.
القدرة على خلق الثروة هو ماسيصنع الفارق
وفي تعليقه عن المطالبين برفع الأجر القاعدي لمواجهة ارتفاع الأسعار قال الخبير الاقتصادي فرحات ايت علي، “لما تسمع بعض الاطراف يتكلمون على أجر قاعدي بستة ملايين، تستغرب من اصل منطقهم.لأن ذلك الحل الغريب لا يستوي الا بصرف اكثر من 4000 مليار دينار اجور من الخزينة لا غير، على الموظفين، دون باقي الاجراء، و زيادة الكتلة النقدية بذلك المبلغ الرهيب، ما سيبعث بقيمة الدينار الى الحضيض، و لن تكفي حتى عشرة ملايين في سد رمق العائلات بعد ذلك”، متسائلا ما اذا كانت تلك الاطراف جاهلة بما تقول أم عالمة بالنتيجة و ذلك ما تترجاه، علما بميولات بعضهم السابقة الى تعميم الخراب في البلد بشتى الطرق.
وردّ فرحات ايت علي على مقارنات أسعار بعض المواد الاستهلاكية و الحليب المدعم بين الجزائر والمغرب من طرف من أسماهم بـ “الناعقين المحليين”، قائلا أن سعر الحليب يُباع في المغرب بـ 9 دراهم ما يقابل 140 دينار عندنا، وأضاف، “ووجدت ان الخبز عندهم ليس بسعر واحد بل يتراوح من ما يقابل 10 دنانير لـ 250 غرام، الى 60 دينار.”
كما علق أيضا على من يشيرون الى تدهور القدرة الشرائية للمواطن مقارنة بحالها في زمن بوتفليقة واصفا إياها بـ “القدرة الشرائية المزيفة في وقتها، و سعر الدينار الغير حقيقي”
وقال، “ما دامت الكتلة النقدية المحلية في تزايد و مقابلها بالعملة الصعبة يتقلص، فالدينار مرشح للانخفاض في سعر صرفه لا محالة. الا اذا غلقنا الباب امام الواردات الغير ضرورية و الغير منتجة للثروة، او امتصصنا الفائض في العملة الوطنية الغير مستثمرة بالرسوم على الاستهلاك، او اذا حولنا طلاب العمل الى قطاعات منتجة للثروة عوض المناصب الوهمية و الغير منتجة للثروة.”
وفي آخر منشوره قال خبير الاقتصاد فرحات ايت علي، “تبنى الدول بدراسة الماضي و استشراف المستقبل، و ليس بدراسة الشكاوي و المطالب الضرفية لتلبيتها اتقاءا للإنتقادات.”